يستعد لويس هاملتون للسباق بهدوئه المعتاد. وهو شخص هادئ بالفعل، ورزين ومتواضع جداً بالنسبة لشخص يحترف القيادة بسرعة تتجاوز 300كم/ساعة. ولديه قدرة كبيرة على تحمل الضغوط، وله أسلوبه المميز في النجاح فيما يقوم به، ففي سن 32 سنة، فاز هاملتون ببطولة العالم 3 مرات
الكثيرين يعتبرونه أفضل سائق في الحلبة – وأحد أفضل سائقي فورميولا 1 عبر التاريخ
اليوم، يتواجد هاملتون في المصنع، أحد أكبر مرافق التدريب والهندسة في نورثامبتونشاير، في إنجلترا، موطن فريق الفورميولا مرسيدس الذي يشارك فيه لويس هاملتون. هنا في هذا المقر الشاسع، يتم دراسة وتطوير علم وفن الفوز بالسباق. بدءاً من هندسة سيارة السباق، إلى طريقة الإعداد البدني والنفسي للسائق. لقد كان هذا الموسم حتى الآن صعباً بطريقة غير معتادة لهاملتون. وهو يسعى لتجاوز هذا الوضع عندما يسافر غداً إلى برشلونة، حيث ينصب تركيزه على شيء واحد فقط: الأداء الجيد
هذا لا يعني أنه لا ينظر إلى شيء آخر غير الأداء. فهناك الفوز طبعاً
منذ ظهوره الأول تحت الأضواء قبل عقد من الزمن، استطاع هاملتون تغيير الكثير في عالم سباق السيارات. فهو أول سائق أسود في عالم فورميولا 1، وفي عام 2008 أصبح أصغر سائق في التاريخ يفوز البطولة العالمية. وقد تكللت مسيرته بالنجاح المستمر بصورة تكاد تكون دائمة. وهو يعرف كيف يستمتع بهذه المسيرة وبنجاحه فيها. فهو عادة ما يحتفل مع المشاهر، كما يمتلك طائرته النفاثة الخاصة الحمراء، وهو حالياً أغنى رياضي في المملكة المتحدة. عندما تنظر إلى كل هذا، فإنك تجد أن شخصيته البسيطة وتواضعه أكثر إثارة للإعجاب
ترى ماذا يفعل هاملتون في حياته الآن؟ لقد تحدثنا معه بعد يوم طويل من الإعداد، وعرفنا منه ما يجعله يستمر بهذا النجاح
. . . . .
فلنبدأ من الخطوة الأولى. كيف دخلت في عالم سباق السيارات؟
لقد بدأت السباق وأنا في سن الثامنة، وأنا الآن في سن 32، بدأت منذ فترة طويلة جدا. كنت أمضي العطلة الأسبوعية مع والدي – نتسابق بسيارات التحكم عن بعد، وعندما بلغت سن السابعة، اشترى لي والدي (عربة/ كارت) اشتراها مستعملة من إعلان في الجريدة، وبدأنا في الذهاب إلى حلبات قيادة العربات. ثم اشتركنا في بعض السباقات من أجل المرح
فزت في أول ست سباقات، واستمر الأمر بعد ذلك. استمتعنا بذلك. إن والدي شخصية تنافسية جداً مثلي
لقد أحببت السيارات، وقد رغبت دائماً في أن أكون سائقاً محترفاً
مالذي أحببته فيها؟
أحب السرعة. أحب المتعة فيها، أحب إحساسي بالقدرة على السير بسرعات عالية. إنني أشعر أنني في بيتي داخل السيارة
من الذين كنت تنظر إليهم كأبطال أو مثل أعلى في سباق السيارات ذلك الوقت؟
لا أظن أنه كان لدي العديد من الأبطال. ولكن الوحيد الذي كان في المشهد هو ايرتون سينا. كنت أحب طريقته في القيادة. وأحببت عدم شعوره بالخوف، إصراره على البحث عن الإتقان في القيادة. وأردت أن أكون سائقاً مثله
لقد حققت مسيرة عملية تجعل مسارك يبدو سهلاً. ولكن ما هي بعض الصعوبات التي واجهتها؟
لقد كنا العائلة السوداء الوحيدة في هذا المجال. كان هذا في حد ذاته شيئاً مميزاً ... أن تكون الأسود الوحيد في رياضة يهيمن عليها البيض، لم يكن أمرا سهلاً. كذلك هي رياضة مكلفة جداً. كان والدي يعمل في أربع وظائف في وقت واحد لكي يتمكن من دعمي للاستمرار في السباقات أثناء السنوات الأولى، كما قام برهن المنزل. وعملنا بجهد كبير لكل نظل قادرين على الاستمرار في الحياة وفي السباق معاً. وكانت هناك ضغوط السباق نفسه، ولكن هذا هو الوضع في أي رياضة. كطفل كنت أقضي كل أيامي في السباق والتدريب، لذلك فاتني الكثير في المدرسة، وكان من الصعب تعويضه. وكذلك فقدت الحياة الاجتماعية كطفل ... لقد فاتني الكثير من الطفولة
هل كان الأمر يستحق كل هذا؟
نعم، بالتأكيد. لقد كانت رحلة طويلة، وطويلة جداً
ومع كل هذه الضغوط، من السباقات، ما الذي يدفعك للقيام في الصباح، وارتداء الخوذة والقدوم إلى هنا؟
ما يجعلني أستمر، هو تفكيري الدائم في الجهد الذي بذلته أسرتي لتوفر لي الفرصة. وتفكيري في جماهيري، وكذلك الشغف الكبير بالقيادة. السبب الذي يربطني بايرتون سينا هو بحثي عن الإتقان، والسعي المستمر للتفوق. أحاول دائما تطوير نفسي بدنياً وذهنيا، وأطور قدراتي ومهاراتي في السياقة. وهو تحدٍ مستمر أحب أن أخوضه
حدثنا أكثر عن هذا الأمر. ما هو نظام تدريبك؟
نظام التدريب يختلف من حين لآخر. فمثلا هذا الأسبوع ذهبت إلى مصنع الفريق في الثامنة صباحا. ذهبت للركض، وفي المساء سأذهب إلى الجيم للقيام ببعض التمرينات لمدة ساعة. في الأسبوع الماضي، كنت أمضي أوقاتا أطول كل يوم في التمرين في الجيم والركض. غداً سأقضي اليوم كله في التمرين في الصالة. أما يوم الخميس في أسبوع السباق، فلن أقوم بالكثير من التمرين. فأنا أحتاج إلى أكبر قدر ممكن من الطاقة من أجل السباق
ماذا عن ما قبل الدخول إلى السيارة، ما الذي تفعله؟ ماذا تفعل من أجل حشد قوتك؟
إنني لا أحشد قوتي
لا؟
لا، إنني لا أحتاج إلى ذلك. ليس الأمر كذلك بالنسبة لي. بالنسبة لي، أريد أن أشعر بأكبر قدر من الاسترخاء، لذلك أستمع لبعض الموسيقى
ما الذي تستمتع إليه؟
أي شيء، وكل شيء. أحيانا أشغل أي شيء عشوائيا من هاتفي. وعادة أستمع إلى أشياء جديدة
الألبوم الذي أستمع إليه الآن لكيندريك وفريق اسمه ذاي. كما أستمع أيضا إلى 1975 كثيرا
لقد قمت بتسجيل موسيقاك الخاصة. ما الذي تقدمه لك الموسيقى ولا تقدمه لك السياقة؟
لقد كنت أعزف الموسيقى منذ كنت 13، فهي جزء من حياتي. كان والدي عضوا في فرقة موسيقية. وهو شيء أحببت دائما فعله. إنني أعشق أن أكون مبدعاً وخلاقا، أحب الحرية التي تمتحني إياها الموسيقى. أحب أن أستمع إلى إبداع الآخرين، والعمل مع الآخرين في إبداع شيء جديد
لقد تحدثت عن رغبتك في أن تكون هادئا تماما قبل ركوب سيارتك. كيف تستطيع تحقيق ذلك؟
إنني عادة شخص هادئ، لذلك لا احتاج حقيقة إلى فعل الكثير. أقوم بالاسترخاء بعد السباق، عندما أعود إلى منزلي مع كلابي وآخذهم للتمشية، أو أشاهد فيلماً، بمعنى أن أقضي أمسية هادئة، وأستمع إلى بعض الموسيقى. إنني أعيش في موناكو، ومنزلي يطل على البحر. لذلك أنظر إلى البحر والنجوم وأشياء من هذا القبيل
إن موناكو مدينة رائعة ولامعة. وبمجرد مشاهدة حساب الانتسغرام، لا يمكنك الابتعاد على الأضواء، أنت في قلب الموضة
كيف تعرّف هذا الجزء من حياتك؟
إن النمط الخاص بي هو ... كيف يمكن أن أقول ذلك؟ هو أناقة الشارع. إنني أدمج العديد من موضات الشارع مع أسماء تجارية على أعلى مستوى. لذلك، نعم إنني مهتم بالموضة جداً. إن وجود أسماء مثل هوجو بوس، تعمل مع فريقنا كأحد الرعاة هو أمر رائع
يمكنني دائما أن أجد شيئا أرتديه من عندهم في فعاليات الفريق، أيا كان الشكل الذي أبحث عنه
إنك لا تشعر بالخجل من الذهاب للتدريب على الموسيقى، والتجول مع الموسيقيين، والرياضيين، وغيرهم من المشاهير. وهو شيء نادر بين سائقي الفورميولا 1. هل تتعرض للانتقاد بسبب ذلك؟ وهل تهتم؟
حسناً، البعض يتنقدون كل شيء وأي شيء تفعله أو تقوله. إذا لم يكن مذكورا في كتاب "ما يفعله سائق السباق" فإنهم ينتقدونه. تقريبا كل ما فعلته قد تعرض للانتقاد من البعض. ولكني في الواقع لا أهتم بالمرة. أنا أركز فقط على أن أكون "أنا"، وأن أقوم بعملي
كل ما يمكنك فعله هو التركيز على إعداد نفسك. عندما يكون له اهتمامات عديدة خارج مجال السباق، فهذا لا يعني أنك فقدت التركيز. ففي العامين الأخيرين فزت ببطولة العالم مرتين. وأقترب من الفوز بها للمرة الرابعة هذه السنة
أخبرني. لقد حققت الكثير من النجاحات في السنوات العشرة الأخيرة. عندما تنظر لهذا الماضي، ما الذي تعلمته خلال هذه السنوات؟
عدم الوقوف عند شيء. فمثلا، عليك أن تتقبل الأمر عندما تفشل، وعندما تمر عليك أوقات صعبة
تعلمت أن عليك أن تحصل على الإيجابيات من الأشياء السلبية، وان تستمر في التقدم. أمر آخر، أن لا تهتم بما يقوله الآخرون عنك، اعرف نفسك جيدا، وحافظ على قيمك الخاصة. وإذا كان لدى الآخرين ما يقولونه عنها، فإنها مشكلتهم هم وليست مشكلتك. فقط ركز على قيم أسرتك وعلى قدراتك الشخصية وعلى عملك وهدفك، وهذا ما أفعله. كذلك تعلمت أن أستمتع بالحياة. أستمتع بكل لحظة كما لو كانت الأخيرة. فأنت لا تعرف متى يكون اليوم هو يومك الأخير
سؤال آخر. لقد أصبحت نموذجا يتحذى لكثير من محبي فورميولا 1 من الشباب. ما هو شعورك تجاه ذلك؟ ما الذي تأمل أن يتعلمه منك هؤلاء الشباب؟
من الصعب التعامل مع فكرة أن أكون نموذجا للآخرين، فمن جهة أنت تريد أن تعيش حياتك – ومن الطبيعي أن ترتكب أخطاء – ولكنك تذكر نفسك دائماً بأن هناك أشخاص ينظرون إليك ويقتدون بك في طريقة حياتك وأسلوبك وتصرفاتك. إنني أحاول أن أكون مصدر تشجيع للآخرين، ولكنني في النهاية إنسان، تمر بي نفس الأفكار التي تمر بأي إنسان آخر، ولدي نفس المخاوف والشكوك والقلق
مثل الآخرين، أجد طريقي. ولكني أجد الأمر غريباً جداً عندما يأتي الأطفال إلي ويقولوا "يوما ما سأكون قائد سيارة سباق مثلك". أعتقد أن هذا رائع، وهو يعني أننا كأسرة قد نجحنا في تحطيم الحواجز القديمة
كما أخبرتك، عندما بدأت مسيرتي في عالم السباق، لم نكن نشاهد أي أسرة سوداء في السباق خلال السنوات الخمسة عشر الأولى. كنا نحن الأسرة الوحيدة السوداء. والآن هناك أطفالا من مختلف الأعراق يأتون إلي قائلين "إنني أريد أن أكون سائق سيارة سباق". ليس فقط أشخاص سود، بل آسيويين، وأشخاص من مختلف الأصول. وأنا أعتقد – أو أحب أن أعتقد – أنني قد ساهمت في خلق هذه الحالة. إنه يجعلني فخوراً بما حققنا كأسرة
لقد أشرت إلى فكرة الخوف، وقلت إنك حصلت على الإلهام من عدم خوف سينا، والتي كانت واضحة تماماً في الحلبة. ما الذي يجعلك تشعر بالخوف؟ هل هناك شيء يجعلك تخاف؟
ربما كان جنوناً إلى حد ما، ولكني لا أشعر بأي خوف وأنا أقود. ولكن في الحياة، أشعر بالخوف – ليس بالضبط، فالخوف حالة ذهنية – إذا كنت أخاف من شيء، فهو أن أسمح لنفسي بعدم التقدم. اليوم فقط كنت أقول لنفسي إن أحدا لن يقوم بعملك بدلا منك. عليك أن تقوم به بنفسك. لن يقوم أحد بإيقاظك وأخذك إلى الجيم لتتمرن. لا أحد سيأخذك إلى حلبة السباق ويجعلك تقود بجرأة وسرعة. عليك أن تقوم بعملك بنفسك
إنك الآن في سن 32 فقط، وقد حققت الكثير، ما هو القادم لك؟
إنني أشعر أنني أبدأ الحياة للتو. إنني أشعر أنني في البداية. أعتقد أن هناك الكثير من المجهول أمامي. ولكنني بالتأكيد في وضع جيد في مقتبل حياتي. من الغريب بعد هذه الأعوام من السباق، أن أظل أمتلك الحافز، ولكني أستيقظ هذه السنة ولدي رغبة شديدة جدا في الفوز بالبطولة – وهذا هو تركيزي الوحيد حالياً. ولكن أيضاً فهم ما يحيط بي، وما سأفعله بعد الاعتزال. هذان أمران يأتيان معاً في هذه اللحظة. وهما شيئان يشغلان الكثير تفكيري. لأن المعتاد من الرياضي عندما يتوقف عن المنافسة، يتحول إلى معلق أو شيء من هذا القبيل. وأنا أود أن أواجه تحديات أخرى جديدة، وهذا ما أسعى الآن لاكتشافه