أصبح أحمد عماد الدين مصدر إلهام لجيل بأكمله بين ليلة وضحاها عندما كلّف بتصميم غلاف ألبوم بينك فلويد «ذي إندلس ريفير» عام 2014. فاجأت الفرقة الأسطورية الجميع بقرارها غير المتوقع بإصدار أول ألبوم لها بعد توقفٍ دام 20 عاماً. كان ذلك خبراً كبيراً هزّ أرجاء عالم الموسيقى بالكامل ولكن الإثارة الحقيقية ظهرت على السطح عندما تمّ الكشف عن أن فناناً رقمياً مصرياً طموحاً لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره فقط سيحلّ محلّ ستورم ثورجيرسون، مصمم الجرافيك العبقري الذي كان يبدع العمل الفني للألبومات الرائدة الإبداعية للفرقة منذ عام 1968 حتى وفاته عام 2013 خذ مثلاً دارك سايد أوف ذا مون، ويش يو وير هير، وذا ديفيجين بيل
يصمم عماد الدين رسومه السريالية من خلال التقنيات الخاصة بمعالجة الصور الرقمية، ولم تكتف رسومه تلك بترك انطباعٍ لا يمحى عند الفنانين الشباب كما عند كبار الفنانين، ولكنها أحدثت تأثيراً كبيراً على المجتمعات المحلية من خلال ما تحمله من رسائل قوية ترصد صميم إعصار الجدل الاجتماعي والسياسي الذي يعصف بمصر و بقية العالم العربي. فعندما صمم الملصق الخاص بالفيلم المصري كلاش («اشتباك») – الذي تدور أحداثه خلال الأحداث في البلاد عام 2013، حظرت السلطات المحلية ملصقه من الظهور العلني، ولكن ذلك لم يثن عماد الدين عن مواصلة الطريق رغم كل الصعوبات. فهو على ثقة تامة بأنه لن يستطيع تحقيق طموحاته إلا من خلال بذل المزيد والمزيد من التركيز والإصرار – إنّ حصوله على الشهادة الجامعية هو في مقدمة أولوياته في الوقت الحالي. النضال هو مجرد البداية على طريق تحقيق الأحلام الكبيرة
لا بدّ أن الأمر كان بمثابة صدمة حقيقية بالنسبة لك عندما تمّ التواصل معك للعمل على تصميم غلاف ألبوم فرقة بينك فلويد. ذلك كفيل بقلب حياتك كلها رأساً على عقب. أليس كذلك؟
كان الأمر مثل الحلم إنها تجربة مثيرة ستبقى محفورة في قلبي دائماً. فجأة صارت جموعٌ كبيرة من الناس تهنئني وانهالت عليّ طلبات العديد من الصحفيين لإجراء المقابلات، وكذلك الحال مع المجموعات الإعلامية من أكبر المواقع الإخبارية والصحف والقنوات التلفزيونية الشهيرة في الشرق الأوسط وفي جميع أنحاء العالم
هل تصوّرت في أي وقت مضى حصولك على فرصة كهذه؟
أن أحصل على فرصة العمل مع بينك فلويد؟ إطلاقاً، ولا في أكثر أحلامي جموحاً! إن المرء يحلم بأن يصنع من نفسه شخصاً ناجحاً عندما يصبح في الثلاثين من عمره أو نحو ذلك. ولكن لم أتخيل أبداً حصولي على فرصة عمري وأنا ما أزال في سن المراهقة
لا بدّ أنّ هذه الفرصة فتحت أمامك أبواباً كثيرة؟
بالطبع فعلتْ ذلك. فقد شاهد ملايين الناس أعمالي الفنية في جميع أنحاء العالم، وفجأة أصبحتُ مشهوراً حتى قبل أن أدرك ما جرى. اتصلتْ معي شركة أدوبي مهنئة وانتهى الأمر بنا إلى التعاون في بعض المشاريع. لقد عملت على الإعلان التجاري الرسمي لأدوبي فوتوشوب الذي قُدّم خلال حفل توزيع جوائز الأوسكار والذي قدّم الأغنية الكلاسيكية الناجحة جداً لفرقة إيروسميث «دريم أون» والتي تمّ عزفها خلال حفل توزيع جوائز الأوسكار العام الماضي للاحتفال بالذكرى السنوية ال25 لبرنامج فوتوشوب. فاز هذا الإعلان بثلاث جوائز، كان لايونز (للتواصل الإبداعي)، كما رُشّح للحصول على جائزة إيمي. ثم اختارتني أدوبي كواحد من أفضل 25 فناناً بصرياً تحت سنّ الخامسة والعشرين في جميع أنحاء العالم! ملأني ذلك بالفخر
متى انتبهتَ إلى تمتعك بهذا الشغف الكبير للفن؟
كنت في السابعة من عمري عندما بدأت في تصميم مواقع الانترنت وتعلّم مفهوم التصميم الجرافيكي. أردت أن أعرف المزيد عن فوتوشوب عندما لاحظت الابداعات الفنية لأشخاص خارج العالم العربي باستخدام هذه الأداة الرائعة. كانت معرفة مدى الامكانيات التي يقدمها هذا البرنامج أمراً بالغ الروعة بالنسبة لي، مما ألهب شعلة الإلهام لدي وزاد نهمي للإبداع الفني، ومنذ ذلك الحين تخلّيتُ تماماً عن فكرة تصميم المواقع لأتفرّغ لموضوع التصميم الغرافيكي
يعكس الفن الذي تقدمه أسلوباً سريالياً حديثاً جداً، مما يذكرني، لحد ما، بسلفادور دالي. لقد كان فناناً يتمتع بعمق فني كبير، ولكنه شخصية عامة غارقة في غرابة الأطوار، وكان للكثير من تصرفاته وتصريحاته أثراً صادماً على الناس. فهل أنت كذلك؟
إنني شديد التأثر بسلفادور دالي، فهو مثال عظيم على السريالية النقية. لكني أفضل الفصل بين شخصيته وفنه. أتمنى أن أكون ناجحاً في مسيرتي الفنية مثله في يوم من الأيام. سيبقى هذا المبدع العبقري بالنسبة لي المثل الأعلى على الدوام، بل إني أعتقد أنه أحد أفضل الفنانين الذين أنتجهم المجتمع البشري على الإطلاق
هل لديك اهتمامات بأية أشكال فنية أخرى؟
الفن الرقمي هو ما يثير شغفي، وهو حقل واسع جداً بلا ريب. فهو يشمل كل الفنون التي يمكن تنفيذها على جهاز الكمبيوتر. فأنا أبدع أعمالاً فنية ثلاثية الأبعاد، رسوماً متحركة بسيطة والكثير من الأعمال الأخرى. أنا لا أقتصر على أي تخصص معين من الفن. أرسم أحيانا الفكرة التي تجول في خاطري على الورق ثم أستكمل الرسوم النهائية على الكمبيوتر، وذلك باستخدام التصوير في أعمالي. أستخدم أحياناً 3 دي للحصول على نفس الصورة التي استحضرتها في ذهني تماماً. يفتح الفن الرقمي أمامك مجالات واسعة جداً لتبعث الحياة في الفكرة التي تجول في خاطرك
ما هي الرسالة التي تحاول أن تنقلها للناس من خلال فنك؟
إنها ليست رسالة واحدة فقط، لدي رغبة في التعبير عن مشاعري وأفكاري كلها للعالم أجمع. تشكل إبداعاتي الفنية الطريقة المثلى التي وجدتها للقيام بذلك. أفضّل أن تخاطب رسائلي اللاوعي عند المتلقي، ولكنها يجب أن تكون معبّرة بما فيه الكفاية ليتردد صداها عند الناس وفي المجتمع
تم حظر الملصق الذي صمّمتَه لفيلم كلاش («اشتباك»)» من قِبَل الحكومة. هل تعتقد أنه كان مثيراً للجدل أكثر من اللازم؟
كان الملصق مثيراً للجدل بالنسبة لهم، ولكن ليس بالنسبة لي، فهو يمثّل الواقع. إنه يصور مشهداً للثورة التقطْته عيون الملايين من الناس وكاميراتهم. لكن الرقابة لم تسمح بهذا المشهد على أية حال، ولذا لم يُستخدم في لوحات الإعلانات ولا للترويج للفيلم. بل، في الواقع، لم يتم استخدامه أبداً داخل مصر. ومع ذلك، فقد حقق الملصق نجاحاً باهراً على وسائل الإعلام الاجتماعية ومختلف مواقع الإنترنت
كان لفيلم كلاش («اشتباك») تأثيراً بالغاً في مهرجان كان وعند الجمهور الغربي، ورشح لجائزة جولدن جلوب. حتى أنّ توم هانكس نفسه أشاد بالفيلم. ماذا يعني هذا الفيلم بالنسبة لك؟
يشكل هذا الفيلم خطوة جديدة للسينما المصرية. لم أشاهد الأفلام المصرية لسنوات، كان هذا أول فيلم أراه منذ زمن طويل. أحببت فكرته، وخصوصاً ما حفل به من تشويق لافت
كجزء من جيل الشباب، هل تشعر بأنّ عليك مسؤولية القيام بدور فعّال في مصر مرحلة ما بعد الثورة؟
من الصعب جداً أن يكون لديك صوت يتمتع بالقدرة على التغيير. ومع ذلك، أشعر أنّ لدي الرغبة في تغيير الكثير من الامور. كانت الثورة لحظة عظيمة بالنسبة لي، فأنا أكنّ أعلا درجات الاحترام لما حدث. وعلى الرغم من أني كنت أصغر سناً في ذاك الوقت، لكني شعرت حقاً أنها ستكون لحظةً خاصة مميزة في تاريخ بلدي سأبقى أعتز بها على الدوام
أصبح لك قاعدة جماهيرية ضخمة وانتشرت أعمالك في أرجاء عالم الإنترنت ومنصات ووسائل التواصل الاجتماعي. وقدعبَرتَ بالتأكيد من خلال حدثٍ تاريخيّ كبير يشكّل كل ذلك قفزة كبيرة بالنسبة لشخص في عمرك. هل تعتقد أنك حققتَ طموحاتك؟
يُعتبَر الوصول إلى حيث وصلتُ إنجازاً كبيراً بالطبع، ولكني لم أحقق طموحاتي بعد. ما يزال لديّ الكثير من الأحلام التي تنتظر الوقت المناسب كي تتحقق
ما هي معالم المرحلة القادمة إذاً؟
إنّي أتابع دوماً في تعلّم أشياء جديدة، البحث عن مصادر إلهام، والتفكير بشكل ابتكاريّ. أعتقد أنّ الأفضل لم يأت بعد