لابد آن تتناول غدائك في سينغل ثريد المطعم الآفضل الذي لم يفتتح بعد
أتحفّظ على الدوام من التصريحات الكبيرة المبالغ بها حول ضخامة أمرٍ إنْ لم يبدأ بعد – أو التي تتغنّى بضخامة حدثٍ ما قبل أن يُفتتح فعلياً. بعد أن سمعتُ عن افتتاح مطعم جديد في سونوما من صديق عزيز يعمل كبير طهاة من مدينة فانكوفر، قمت ببعض تحرّياتي فتوصلتُ إلى مقالة بعنوان سينغل ثريد... الافتتاح الأضخم لعام 2016 مما جعلني أشعر بالأسى. أولئك المساكين لم يفتتحوا مطعمهم بعد وهم يواجهون ضغطاً هائلاً لارتفاع سقف ما يُتوقّع منهم. أرغمتُ نفسي على قراءة المقالة. كانت الأخبار غريبة ومحدودة. وصرت أطّلع على موقعهم على الإنترنت بين الحين والآخر كمراقب مستغرب، باحث عن أي طارئ جديد في هذا الموضوع واقترحتْ إحدى الصديقات أن تكتب مقالة لتعرّف فيها على المشروع. قمتُ مؤخرّاً مع اثنين من مدراءي برحلة استكشافية لدراسة وتطوير المشاريع التجارية إلى سان فرانسيسكو. عرّجنا على المزرعة والمطعم الذي لم يُفتتح بعد لنختلس نظرة داخلية من خلف الكواليس دُهِشت لما رأيت، فخلف سينغل ثريد قصة كبيرة فعلاً: مزرعة، مطعم، ونُزل. قام بتطوير الفكرة كايل وكاتينا كونوتون الزوجان القادمان من كاليفورنيا الجنوبية. يعتمد سينغل ثريد على فكرة المطعم الذي يؤمن الطعام من المزرعة إلى الطاولة لكنه يرتفع بها إلى مستوىً راقٍ جداً. لا ينويان زراعة كل ما سيقدمانه في المطعم فهذا أمر يفوق قدرتهما، لكنهما سيحافظان على تأمين مجموعة بارزة من الخضار المتنوعة التي سيتخصّص المطعم بتقديمها وغير المتوفرة في شمال أمريكا. سيشرف كايل على المطبخ بينما تشرف كاتينا على المزرعة. لقد أمضى كلاهما 20 عاماً في دراسة مجالات تخصّصهما. قضى كايل عدة سنوات يعمل طباخاً في اليابان (بما في ذلك العمل في المطبخ الياباني الرائد لميشيل براس ) قبل أن يشرف على المخبر الإبداعي ذا فات داك في إنكلترا عام 2006. أما كاتينا فقد سعتْ للاحتراف في مجال الزراعة المستدامة، فعندما كانت تعيش في هوكايدو كرّست نفسها لتعلّم وفهم تقنيات وفلسفات الزراعة اليابانية – وخاصة التقويم الزراعي القائم على 72 فصل - يستخدم هذا التقويم الزراعي القديم 72 وحدة زمنية تتكون كلّ منها من خمسة أيام مما يشكّل كامل السنة وفصولها. إنه نظام دقيق جداً لتحديد الخضراوات الطازجة في ذروة نموّها – أي الفترة التي يكون فيها المحصول في مرحلة نضجه المثالية في أفضل مرحلة فصلية له. لن يستخدم المطعم إلا المحاصيل التي وصلت إلى هذه المرحلة من نضجها. تقرّر كاتينا وِفقاً لخبرتها أيّ من المحاصيل جاهزة للحصاد. ووِفقاً لذلك تخبر كايل قبل يوم أو اثنين ليقرّر ما هي الأطباق التي سيعدّها. وعندما يقترب أحد المزروعات من نهاية فترة نضجه، يكون لزاماً على كايل أن يجهّز طبقاً آخر لا يتضمّن ذلك المحصول. وخلال هذه العملية يوثقان كل شيء بحيث يستفيدان من هذه المعلومات للسنوات القادمة. إنه عمل احترافيّ بالفعل - اقتبس الزوجان الكثير من التفاصيل في الثقافة اليابانية للترحيب بضيوف المطعم على أحسن وجه – إنّ الالتزام بفنّ الضيافة النابع من الطقوس العريقة مبدأ أساسي، فهو نابع من صميم فلسفة هذا المطعم. صمّمت شركة أفروكو (AvroKO) ومقرها نيويورك المبنى المكون من ثلاثة طوابق ليكون النُزل والمطعم. من الواضح مراعاة البساطة والسلاسة في تصميم كل التفاصيل مما يمنح الضيوف الشعورا بالراحة - يقدّم المطعم ثلاثة أشكال من قائمة الطعام التي تحوي 11 طبقاً: أطباق لمن يتناولون اللحم، وأخرى للنباتيين، والأخيرة لمن يفضلون الثمار البحرية. يبدأ ضيوف المطعم رحلتهم المميّزة هنا في الرواق المتربع على السقف بتناول المقبلات والكوكتيلات محاطين بطاقم عمل حريص على معرفة أية رغبات شخصية خاصة لدى الضيوف لإيصالها للمطبخ حيث تتم إضافة اللمسات الأخيرة على كل طبق بما يتناسب مع ذوق كل ضيف على حدة. أما عندما يصل الضيوف إلى غرفة الطعام،سيجدون قوائم الطعام تعبّر عن التجربة الفريدة للزوجين كوناتون بوجود تأثيرات غنية من كاليفورنيا وفرنسا واليابان ظاهرة للعيان. وبعد العشاء، إن كنت من المحظوظين جداً واستطعت حجز غرفة في النُزل، يمكنك التوجه ببساطة إلى الطابق العلوي لتأخذ قسطاً من الراحة في إحدى الغرف الخمسة الراقية المعدّة للضيوف والمزوّدة بمواقد الحطب والتدفئة المريحة والحمامات اليابانية. جوّ مريح بكل ما في الكلمة من معنىً إذا حاولنا تعريف ماهيّة سينغل ثريد باستخدام مصطلحات برمجة الكمبيوتر، يمكننا القول أنه «تنفيذ لمهمةٍ كاملة من البداية للنهاية بدون مقاطعة.» تم ابتكار هذه المهمة من خلال تجربة الضيافة الكلّية الراقية اللطيفة التي تبدأ قبل وصولك إلى المطعم بأشهر. إنها تبدأ في المزرعة لتهتم فيما بعد بأصغر تفاصيل زيارتك حِرصاً من أصحاب المطعم على أن تحصل على تجربة ممتعة، فريدة من نوعها - أمضيتُ فترة المساء أتجاذب أطراف الحديث مع كايل، فشعرت كيف أنّ كلّ ما رأيته أمامي هو نتيجة سنوات من التفكير والتخطيط والنقاش. لقد بذلا الكثير من الجهد والعرق ليصلا إلى ما هما عليه الآن. يصبغ كايل وكاتينا وفريقُهما المكانَ بلمسة خاصة من حسن الضيافة والحرفة وأخلاقيات العمل التي تراكمت بعد عمر من الخبرة. ستكون بصمات مصممي سينغل ثريد مطبوعة في صميم هذا الصرح الرائع بشكل جليّ. هذه الأصالة هي ما يمنح التجربة العظيمة سماتها الفريدة التي لا تزول – والتي تصبح بدورها ذكريات عزيزة وحميمة لدى الضيوف. هذا هو بالضبط الهدف الذي يسعى إليه أيّ مطعم عظيم سواء كان هناك ضجيج إعلامي لتغطية ذلك أم لم يكن
مواضيع مشابهة