لأتكون حياتنا منطقية دائماً، فالأمور الجيدة فيها لا تشعرنا بالرضى في جميع الأوقات. من أمثلة ذلك شعور بعض الرجال بالحزن بعد ممارستهم العلاقة الحميمية. ولكن هناك خبر جيد، أو ربما فهم جديد لهذه الظاهرة المسماة "انزعاج مابعد الجماع" (postcoital dysphoria) وهي دليل طبي جديد على أن الرجال عموماً أكثر تعقيداً مما يتصوره كثير من الناس.
حاول أستاذ علم النفس روبرت شڤايتزر من جامعة كوينزلاند للتكنولوجيا في بريسبان، أستراليا، معرفة السبب الذي يجعل الرجال يعانون من حالة "انزعاج مابعد الجماع"، أو (PCD) ، والتي كان يدركها بشكل تتابعي، ولكنها لم تلق التوضيحات اللازمة طبياً. وكان شڤايتزر قد أجرى أبحاثًا على السيدات اللاتي يعانين من حالة "انزعاج مابعد الجماع" وقال أن 46٪ منهن تعرضن لهذه الحالة في حياتهن. تختلف الأسباب ولكنها ترتبط بعوامل كثيرة ابتداءاً من الصدمة الجنسية إلى الخوف من تخلي الشريك عنهم، وانتهاءاً بعدم الوصول إلى الذروة.
قبل دعوة الدكتور شڤايتزر العام الماضي للحصول على إجابات، طلبنا من مجموعة من الرجال أن يخبرونا عن أسباب معاناتهم من هذه الحالة، ومن بين الأسباب:
- الفهم الذي يتعلق باعطاء وزن عاطفي للجنس مختلف عن فهم شريك حياتك (أنت تهتم، وهي لاتهتم، أو هي تهتم، وأنت لا تهتم)
- شعور بالندم بعد علاقة عابرة
- حالة الوعي
- التنشئة الوجدانية التي تنتج شعورًا بالخجل
- عندما تعرف أن العلاقة ضارة أو سيئة
كانت هناك نظريات أخرى حول السبب الذي يجعل الرجال يميلون للحزن بعد العلاقة الحميمية. وإلى حد ما، يشعر الرجال الذين يحبون النشاط الحميمي بشكل كبير أن ذكورتهم قد فُقدت بعد الجماع، وهذا الادراك يخلق حزناً طبيعياً.
لكن بحث الدكتور شڤايتزر الذي تم نشره مؤخراً مثير للغاية، حيث يؤكد أن حوالي 41 بالمائة من الرجال عانوا من حالة "انزعاج مابعد الجماع" في حياتهم، أي ما يقرب من نفس عدد النساء. والأسباب تتمثل عادةً في واحد من الأمور التالية أو أكثر: الضيق النفسي أو الصدمة الجنسية السابقة أو العجز الجنسي.
ليس هناك كلام فارغ حول علم النفس التطوري، فالرجال يشعرون بالضغط أو يتعرضون للإيذاء أو يواجهون صعوبة في الرجوع لحالتهم الطبيعية بعد شعورهم بانزعاج مابعد الجماع. هذا الأمر ليس صادمًا. ولكن لحظة من فضلكم: الرجال محسوبون على البشر أيضاً، أليس كذلك؟
لإجراء البحث ، قام أستاذ علم النفس بإجراء دراسة شملت نحو 1200 شخص تتراوح أعمارهم ما بين 18 إلى 81 سنة من 78 دولة حول العالم، قالوا إنهم نشطون جنسياً. الغالبية من هؤلاء ليسوا متدينون، ومعظمهم عاش تجربة حميمية لمدة سنة على الأقل، ويعتبرون أنفسهم راضين جنسياً عن العلاقة. وقام هؤلاء بالاجابة على أسئلة استطلاع عبر الإنترنت لمدة 30 دقيقة اشتمل على 14 سؤالاً حول ميولهم الجنسية ومدة علاقتهم الحالية ورضاهم عنها، وسجل العجز الجنسي (بما في ذلك الأمور الطبية المتعلقة بالقذف المبكّر أو المتأخر واضطراب الرغبة الجنسية وعدم القدرة على الانتصاب).
كما أجابوا على الأسئلة التي تحدد مستويات الاكتئاب أو القلق، وكذلك تاريخ الاعتداء الجنسي ان حصل أو صدمة الطفولة. ثم سُئلوا عما اذا كانوا قد عاشوا تجربة شهدت "دموعًا أو حزنًا أو هياجًا لا يمكن تفسيره بعد النشاط الجنسي بالتراضي" في الأسابيع الأربعة الأخيرة أو في أي وقت سابق في حياتهم.
وجاءت النتائج على النحو التالي:حوالي 41 في المائة من الرجال عانوا من حالة "انزعاج مابعد الجماع" في حياتهم. وقد عانى حوالي 20 في المائة منهم في الأسابيع الأربعة الأخيرة من اجراء الدراسة. وقال حوالي 4 في المائة إنهم تعرضوا لهذة الحالة "في معظم الوقت أو كله". وهذا مثير للاهتمام بما فيه الكفاية - كما لوحظ في دراسات سابقة: 46 في المائة من النساء عانين من حالة "انزعاج مابعد الجماع"، وحوالي 4 في المائة منهن أكدن تعرضهن لهذه الحالة في كل مرة.
لكن الرجال الذين يعانون من تاريخ من الاعتداء الجنسي أو العاطفي في مرحلة الطفولة والاكتئاب أو القلق، وفي كثير من الأحيان، اضطراب الرغبة الجنسية من ناحية ازديادها أو عدم وجود الرغبة الجنسية عموما (33٪ من النساء يعانين من هذا الاضطراب، مقارنة بـ 20٪ فقط من الرجال) – فمن المحتمل أنهم يعانون من القذف المبكّر أو المتأخر.
ووصف المشاركون مشاعرهم بتعمق، وكتب أحدهم:
"... من الصعب تحديد الحالة، ولكن بعد النشاط الجنسي، أحس بقوة كرهي لنفسي. عادة أذهب للنوم أو للقيام بشيء آخر أو الكذب على نفسي بصمت حتى يختفي ذلك الشعور. أشعر بالكثير من الخجل وأقع في نوبات من البكاء والاكتئاب الحادّ بعد الجماع ... شريكتي تحصل لديها نوبات البكاء ولكن بنسبة أقل. لا أحب أن تكون لديها مشاعر القلق، وأخفي حزني حتى تغادر المكان.. وأحيانًا تكون لدي مشاعر سلبية يصعب وصفها".
ويشير البروفسيور شڤايتزر إلى أن النتائج تظهر أن تجربة الذكور في مرحلة حل مشكلة الجنس ليست إيجابية دائمًا، "وقد تكون أكثر تنوعًا وتعقيدًا مما كان يُعتقد سابقًا".
ويؤكد شڤايتزر أن هذا النوع من الأبحاث مهم للغاية، ليس لأنه يساعدنا في فهم ما يحدث للرجال والنساء فحسب، بل ولأنه يساعد في التراجع عن التحيز الذي لدينا حول كيفية ارتباط الرجال بالجنس.
وأوضح قائلاً: "الرجال مسؤولون عن المبادرة، كما يقول البعض... ويهتمون بشكل خاص بعملية " الفتح ". ولا شك أن هناك العديد من الأحكام المسبقة الأخرى التي لدينا. قد يكون هناك دعم لبعض هذه الافتراضات، لكن الأهم من ذلك أننا قد نقول أن هذه كلها تعميمات، وفي الواقع ، فإن التجربة الجنسية لكل من النساء والرجال أكثر تنوعًا من المعترف بها عموماً".
وعلى الرغم من أن هذا البحث لا يمثل سوى البداية، إلا أن شڤايتزر يقول إنها بداية لفهم ما سيساعد الرجال على الحصول على تجارب جنسية أفضل، إضافة إلى كيفية إدارة الظاهرة المسماة "انزعاج مابعد الجماع" عندما تظهر.