من المعتاد أن ينسى الناس المطربين وأعمالهم بسهولة. فالمغنون يلمع نجمهم ويعاود للإختفاء بسرعة، تمامًا مثلما تتصدر أغنياتهم سلم النجاح وتهبط عنه. لكن هذا الحال لا ينطبق على راغب علامة. فقد تمكن الفنان ذو الـ 54 عامًا، من التربع على عرش المطربين اللامعين لنحو 3 عقود، منذ مشاركته كمتسابق في البرنامج الغنائي اللبناني «استوديو الفن» أوائل ثمانينيات القرن الماضي. وحافظ وصوله إلى الشهرة بتقديمه الأغنية الناجحة تلو الأخرى وعلى مكانته بين نخبة الفنانين العرب المشهورين، متمتعًا بقاعدة جماهيرية تتسع لتشمل منطقة الشرق الأوسط وخارجها، وتطال الجيلين القديم والجديد
لطالما كان راغب علامة جريئًا في أسلوبه الغنائي، فهو يدخل بأدائه الصوتي إلى مستويات أعلى من خلال تجربته ألحان وأنغام جديدة لم تكن مألوفة على الموسيقى العربية. استهل راغب علامة مسيرته في الثمانينيات بإضافة لمسته المبهجة على ألوان وإيقاعات الفلكلور اللبناني، وفي خضم رواج صرعة موسيقى الترانس المستوحاة من «إبيزا» في التسعينيات، أدخل علامة أصوات «التكنو»، ليصعد بأغنياته أكثر على ترتيب الصدارة. ومنذ بداية القرن الحالي، قدّم راغب علامة ألحان موسيقية إلكترونية من خلال المزج بين المؤثرات الغربية و»الدربكّة» مع الطبول المعاصرة والعود مع القيثارات والناي والأبواق، ممهّدًا الطريق أمام موجة جديدة من موسيقى البوب العربية. كما قدم عددًا من الأغاني التي تحتوي على بعض أنغام الروك، من خلال دمج ألحان القيثارة الإلكترونية مع النغمات القصيرة الخماسية الجديدة كليًا في ذلك الوقت. وسط كل ذلك، كان صوت راغب علامة مثل آلة وصل بين هذه الآلات والدقات
من الطبيعي إذا أن يُطلق عليه لقب نجم نجوم العرب «سوبر ستار العرب»، وهو لقب حصل عليه قبل أكثر من 20 عامًا وبقي على مستواه طوال هذه السنوات. هو واحد الفنانين الذين تمكنوا من المحافظة على تميّزهم في الشرق الأوسط، فأغانيه الناجحة الأولى «بنت السلطان» و»قلبي عشقها» لا تزال من الأغاني المفضلة في السهرات وحفلات الأعراس بينما تستقطب أغنيته الرائجة الجديدة «أنا أسمي حبيبك» جيل الشباب
وعلى مر مسيرته المهنية، حظي علامة بتقدير كبير لإنجازاته العديدة، ونال العديد من الجوائز. كما لاقت ألبوماته الأكثر مبيعًا استحسان النقاد. كما عمل عضوًا في لجنة التحكيم لأول موسمين من النسخة العربية لبرنامج «أمريكان أيدول» وكذلك في برنامج «إكس-فاكتور» لعام 2015، وهو ما جعل منه شخصية تلفزيونية محبوبة. وقد قام راغب وشقيقه خضر أيضًا بإطلاق شركة الإنتاج الخاصة بهما باسم «باكستيج بروداكشن» سنة 1999. ناهيك عن تكريس نفسه للأعمال الخيرية، فهو يعمل على نشر الوعي البيئي في المدارس والجامعات وعبر المجتمعات في المنطقة، باعتباره سفيرًا للأمم المتحدة للنوايا الحسنة
كنت دائمًا مثالًا للفنان الناجح في تقديم أعمال قوية طوال الأعوام الثلاثين الماضية، وحصلت على لقب نجم نجوم الموسيقيين العرب. كيف تمكّنت من البقاء على قمة الهرم طوال هذه السنوات؟ لا بد من بعض خيبات الأمل خلال المسيرة المهنية، وهو ما أصابني فعلًا في بعض الأحيان خلال السنوات الثلاثين الماضية، لكنها لم تكن تدوم لفترة طويلة، وكنت أعود إلى مستواي فورًا. والحقيقة هي أنني لم أدعها تؤثر فيّ شخصيًا، بل وظّفت هذه اللحظات لمصلحتي عبر استغلالها لبناء قدراتي. بالفعل، مررت بأوقات لم أكن خلالها راضيًا عن أغاني الفيديو كليب التي صوّرتها. كنت أشعر خلال إنتاجها أنها لم تكن في مستوى التوقعات. وعندها قرّرت العمل مع أشخاص يفكرون مثلي لإيصال فكرتي والأهم من ذلك هو أن شغفي وإخلاصي هو السبب في استمرار عملي الموسيقي، فيمكنك صنع المعجزات إذا كنت تعمل بشغف، وأنا شغوف حول عملي وهو سبب بقائي على القمة
عادة ما ينتهي مستقبل فناني البوب بعد نجاح واحد، وكذلك عند رواجهم لفترة محدودة أو اشتهارهم بلون غنائي واحد. في المقابل، تمكنت أنت من تجديد نفسك على الدوام مما جعل موسيقاك ملائمة للأوقات التي تصدر فيها. دون أدنى شك: عليك أن تجدد نفسك دائمًا وتبتكر شيئًا جديدًا، سواءً على صعيد الأغاني أو الفيديو كليب أو حتى مراحل الإنتاج. لكن عليك الحذر من تردي جودة العمل الذي تقدمه بسبب هذا التجديد، كما عليك الحفاظ على هويتك الفنية. كل ما في الأمر، ببساطة، أن تبقى صادقًا مع نفسك
مقارنة مع غيرك، لم يتمكن الكثير من نجوم البوب نيل إعجاب الفئات العمرية المختلفة في الغرب، يمكنني القول أن إلتون جون مثلًا استطاع ذلك، بالإضافة إلى آخرين قلائل جدًا مثل مادونا والراحل مايكل جاكسون تمكنوا من تحقيق ذلك تحقيق ذلك أيضأ. تمامًا، قلائل هم الفنانون اللذين تمكنوا من البقاء في مستواهم المعهود. ولحسن الحظ، وصلت موسيقاي إلى ثلاثة أجيال مختلفة. لقد تأثرت جدًا في واحدة من حفلاتي خلال الصيف الماضي عندما غنت معي فتاة صغيرة أغنيتي المشهورة «عنجد بقلك عنجد» التي قدمتها عام 1984. أذهلني حقًا كيف لا تزال أغنياتي القديمة تلاقي إقبالًا من الجيل الجديد، فبالرغم من مرور 30 عامًا، يبدو أنها لا زالت تلاقي رواجًا مثل الأغاني الجديدة
أعتقد أنه من الصعب أن توازن بين محبة الجيلين القديم والجديد. هل يكمن السر في الأغنية أم أن الفنان هو الذي يخلق هذا التأثير؟ لا شك في أن الأغنية تلعب دورًا كبيرًا في ذلك، فنلاحظ كيف يردد الأطفال أغانٍ يستمع إليها ذووهم مثل «قلبي عشقها» و»حمدالله عالسلامة» و»مغرم يا ليل» و»ياريت فيني خبيها»، التي أثبتت أنها ستحيا إلى الأبد. كما يختار الجيل الجديد ذوقه الخاص، ويستمع لهذه الأغاني التي أحبها ذووهم وينشرونها عبر وسائل التواصل الاجتماعي
هل أسهمت تجربتك لألوان مختلفة من الغناء بشكل استراتيجي في نجاحك؟ أنا رجل موسيقي في نهاية المطاف وأعرف جيدًا ما يلائم صوتي. لقد أنعم الله عليّ بصوت يتناسب مع ألوان مختلفة ولهجات شتى؛ غنّيت بالمصري والخليجي، وباللبناني طبعًا، فضلًا عن الأغاني الفولكلورية. وقدمت أداءاً رائعًا فيها كلها. لكن بعض الأصوات محددة بطبيعتها، فلا يمكنها أداء ألوان بحد ذاتها. أنا محظوظ لأن صوتي يصب في مصلحتي
يبدو الجهد الكبير واضحًا في إنتاج أغانيك المصوّرة. فخاصة في فترة العصر الذهبي للفضائيات في التسعينيات، رأيناك تصوّر بعضًا منها في الولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا وماليزيا وأجزاء أخرى من العالم. هل لا تزال الأغاني المصوّرة تتمتع بذات الأهمية مع الحضور البارز لوسائل التواصل الاجتماعي؟ تغيّرت الأوضاع بالفعل، فوسائل التواصل الاجتماعي هي لغة مختلفة وطريقة العمل فيها مغايرة، وفيها بعض الأمور المهمة جدًا التي قد تصرف انتباهك عن العمل، وهناك الكثير من المنصات التي لا يمكن تغطيتها كلها بهذه السهولة. لكن في نفس الوقت، عليك أن توسّع من نطاقك وتقدم عملك وتنشره في أماكن كثيرة وعبر منصات متعددة
ماذا تقول عندما تشاهد سعد المجرد، فنان مغربي يبلغ 30 عامًا لمع نجمه بأسلوب «الأغنية الناجحة الوحيدة»، وحصدت 180 مليون مشاهدة على موقع «اليوتيوب» خلال أشهر معدودة ؟ أرى أن ما حققه شيء رائع، فهو موهوب ويتمتع بجاذبية لامعة بالتأكيد، وهذه الأرقام تتحدث عن نفسها
نسمع شكاويٍ عن شح المواهب في المنطقة وكونك كنت عضوًا في لجنة تحكيم أول موسمين من برنامجي «محبوب العرب» و»إكس-فاكتور» لموسم 2015، وبطبيعة الحال، شاهدنا الكثير من المواهب الشابة الرائعة، غير أن عددًا محدودًا من المتسابقين يتأهلون للنهائيات ويرون النجاح. هل تعتقد أن قطاع الموسيقى لا يوفر الدعم الكافي للمواهب الشابة؟ باعتقادي، يتعلق الأمر بتطوير وتحفيز الذات، فعلى كل فنان الاعتماد على نفسه لكي ينجح، وأن يعلم أن الطريق ليس معبدًا بالذهب. إذا أردت سلوك طريق الموسيقى، عليك تطوير نفسك والانخراط في تفاصيل وجوانب كل ما يرتبط بهذا الفن. مشكلة عدد من الفنانين أنهم اعتادوا الاعتماد على الآخرين ليقوموا بعملهم بدلًا منهم. وما أراه أن القطاع يدعم المواهب، لكن ربما هناك البعض ممن اعتادوا على الاعتمادية الزائدة
هل ترى أن تعريف الشخص «الموسيقي» قد تغيّر نوعًا ما؟ تغيّر فعلًا، فقد أصبحنا نعيش في عصر مختلف وبعقليات مختلفة ووسط تكنولوجيات متطوّرة وبمتطلبات أكثر
كيف تغيّرت أنت بدورك؟ لقد تطوّرت مع كل شيء حديث وجديد، وطوّرت موسيقاي وطوّرت في نمطها، وفي مواضيع الأغاني التي أقدمها
أنت معروف كفنان بذوقك بالموضة ومظهرك وجاذبيّتك، ما هو مقدار الجهد الذي يتطلبه هذا الأمر منك؟ هذه الأمور جزءٌ من طبيعتي، بالتالي لا تتطلب مني جهدًا
تغيّر حظك فورًا مع إصدارك أغنيتك الأولى «بكرا بيبرم دولابك». فهل راودتك أية شكوك في حياتك؟ أبدًا
اسمح لي بهذا التعبير المبتذل، لكن النجاح له الثمن؟ إذا أردت الحديث عن التضحيات، فالمشكلة الكبرى هي الخصوصية. ففي هذه الحالة، لم يعد وقتك أو مساحتك ملكًا لك، سيّما في مثل عصرنا حيث يمتلك كل شخص هاتفًا مزودًا بكاميرا، وتصبح بسبب ذلك مطاردًا في كل وقت. عن نفسي، أتعرض باستمرار لمقاطعة خلال تناول الطعام، من أجل صورة. أراه مزعجًا بعض الشيء عندما اضطر للوقوف عدة مرات في جلسة واحدة. لكن، إنه ثمن الشهرة
مع أن أغنياتك تتمحور حول الحب والعشق بشكل رئيسي، عليك أيضًا أن تلعب دورًا في نشر التوعية الاجتماعية والسياسية، فما هي رسالتك؟ لقد أدت المؤامرات التي حدثت في بلدنا إلى تقسيم الشعب وكانت رسالتي على الدوام للبشر هي التعامل مع بعضهم بأسلوب إنساني بصرف النظر عن الجنس أو اللون أو الدين أو الانتماءات أو الجنسية. يجب على المرء أن يتحلى بالقيم الأخلاقية والاحترام، فهذه البلد ليست ملكًا لي أو لك إنما ملكنا جميعًا وعلينا أن نوفّر لأولادنا المكان الذي يشكل ملاذًا للأمان والمحبة ويقرّ الأعمال الخيرة، وليس الشر أو التمييز
هل يشكل هذا جزء من هدفك الأسمى في الحياة؟ أتمنى العمل لتحقيق الرفاه الاجتماعي لمجتمعاتنا. ولمساعدة بلدي في تجاوز الصراعات والمصاعب التي تسبب معاناة شديدة لحياة الناس فيه. أريد أن يعيش الناس بسلام
أنت تمثّل المنطقة العربية كسفير للنوايا الحسنة في البرنامج البيئي التابع للأمم المتحدة، هل تشعر بتفاؤل إزاء التغيير بالنظر إلى الوضع المتردي في لبنان؟ أشعر بالتشاؤم عند النظر لحالة الفساد السياسي التي نشهدها في لبنان. فالوضع من أسوأ الأوضاع على مستوى العالم في هذا المجال. لقد دمّر المسؤولون هذا البلد وهم الآن يدمّرون مستقبل أولادنا بسبب جشعهم. وللأسف أن أغلبية السياسيين لا يعملون لمصلحة لبنان
ما هي خطوتك المقبلة؟ أنهي حاليًا تسجيل أغنية جديدة وستصدر في الأسابيع القليلة القادمة. وخلال ذلك سأقوم بجولة في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، ابتداءً من ديترويت وبعدها أتلانتيك سيتي من ثم تورنتو وأخيرًا في لاس فيغاس